تعدد تعريفات القانون الدولي العام واوجه الاختلاف في مبادئ القانون الدولي
ويرجع هذا الاختلاف إلى التطور الذي عرفه هذا الفرع من االقانون سواء من حيث الأشخاص أو الموضوعات التي يحكمها.و القانون الدولي العام هو مجموعة من القواعد القانونية التي تنظم العلاقة بين الدول او بين الدولة و الاشخاص باعتبارها شخصية ذات سيادة. و ينقسم القانون الدولي العام الى قانون عام داخلي و قانون عام خارجي
هو طبقاً لتعريف الأستاذ ستارك في مؤلفه مقدمة للقانون الدولي : "مجموعة القواعد القانونية التي تتكون إلى حد كبير من المبادئ والقواعد التي تحكم سلوك الدولة وتشعر أنها ملزمة بمراعاتها ، ولذلك تحترمها في علاقاتها المتبادلة والتي تشمل أيضاً : القواعد القانونية المتعلقة بالأفراد والوحدات التي لا تعد دولاُ ولكن تعتبر حقوق وواجبات هؤلاء الأفراد وهذه الوحدات من اهتمامات الجماعات الدولية".
والواقع أنه قد ثارت بعض الصعوبات في تحديد مصطلح القانون الدولي ، فقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة من قبل حيرمي بنثام في عام 1870 في مؤلفه : "مقدمة في مبادئ الأخلاق والتشريع" وقد حل هذا المصطلح محل مصطلح آخر قديم وهو "قانون الأمم" أو ما يطلق عليه في الفرنسية : "قانون الشعوب" . وقد عرف اوبنهايم القانون الدولي تعريفاً تقليدياً بقوله بأنه : " مجموعة القواعد العرفية والمعاهدات التي تعتبرها الدول قانوناً ملزماً في علاقاتهم مع بعضهم البعض " .
نطاق هذا القانون يتمحور حول فرعين أساسيين هما: قانون الأمم (Jus gentium)، والاتفاقات الدولية والمعاهدات (Jus inter gentes)، وهما فرعين يختلفان من ناحية الأسس النظرية ويجب عدم الخلط بينهما.
كما لا يجب الخلط بين القانون الدولي العام والقانون الدولي الخاص، حيث يتعلق الأخير بفض النزاعات بين القوانين. بشكل عام، القانون الدولي "يتألف من القوانين والمبادئ للتطبيق العام ويتعامل مع تصرفات الدول والهيئات الدولية وعلاقاتها المتبادلة بالإضافة إلى علاقاتها مع الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين
ونوضح هنا القانون الدولي العام وهو له ثلاثة مصادر أساسية: المعاهدات والاتفاقات الدولية، الأعراف والتقاليد، والقواعد العامة للقانون. بالإضافة إلى القرارات القضائية التي قد تنطبق كطرق فرعية لتحديد القانون بحسب ما أشارت إليه المادة 38 من قانون محكمة العدل الدوليةالمعاهدات الدولية تتألف من الواجبات والالتزامات التي تتفق عليها الدول برغبتها فيما بينها في تلك الوثائق. الأعراف والتقاليد تُشتق من الممارسات المستمرة والمتعارف عليها بين الدول، أي اقتناع الدول بأن الممارسة المستمرة تتحول إلى إلزام قانوني. قرارات المحاكم الدولية والدراسات القانونية أّخذت أيضاً على أنها مصادر مقنعة للأعراف والقوانين الدولية. وقد كانت هناك محاولات لتقنين وكتابة الأعراف الدولية بعدالحرب العالمية الثالثه وذلك عن طريق إنشاء اللجنة القانونية الدولية تحت إشرافالأمم المتحدة أما القواعد العامة للقانون فهي تلك القوانين المعترف بها بشكل عام من الأنظمة القانونية الرئيسية في العالم. بعض قواعد القانون الدولي يمكن أن تصل إلى مرحلة إلزامية (jus cogens) بحيث تنطبق على جميع الدول بلا أي استثنائات.
القانون الدولي العام يضع إطار ومعايير لتحديد الدول كممثلين أساسيين في النظام القانوني الدولي. وبما أن وجود كيان للدولة يفترض وجود سيطرة واختصاص قضائي على المنطقة، فإن القانون الدولي العام يتعامل مع اكتساب المنطقة، حصانة الدولة والمسؤولية القانونية للدول في تصرفاتهم مع بعضهم البعض. القانون الدولي العام أيضاً مهتم بشكل ما بالتعامل مع الأفراد داخل حدود الدولة. لذلك فإن هناك أنظمة تشمل مع حقوق الأقليات، معاملةالاجانب ، حق اللجؤ السياسي ، الجرائم الدولية، مشاكل الجنسية وحقوقالانسان بشكل عام. كما أنه يتضمن أيضاً وظائف الحفاظ على السلام العالمي والأمان، مراقبة الأسلحة، التسويات السلمية للمنازعات، وتنظيم استخدام القوة في العلاقات الدولية. حتى إذا لم يستطع القانون أن يوقف اندلاع الحرب، إلا أنه طور مبادئ وقوانين لحكم التصرفات العدائية ومعاملةاسراء الحرب القانون الدولي أيضاً يحكم المسائل المتعلقة بالبيئة العالمية، والأمور الدولية الشائعة مثل المياه الدولية،الفضاء الخارجي الاتصالات الدولية والتجارة الدولية.
وهنا الشئ يالشئ يذكر فلوا ذكرنا مبادئ القانون العامة
نصت الفقرة (ج) من المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية على مبادئ القانون العامة التي اقرتها الامم المتحدة كمصدر ثالث للقانون الدولي العام التي تطبقها المحكمة للفصل فيما يعرض عليها من المنازعات الدولية .
الطبيعة القانونية لمبادئ القانون العامة : -
اختلف الفقهاء اختلافا كبيرا في تحديد طبيعة مبادئ القانون العامة وفي تحديد مكانه هذه المبادئ كمصدر من مصادر القانون الدولي . فقد انكر بعض الفقهاء على مبادئ القانون العامة صفة المستقل فمنهم من اعتبرها مجرد وسائل تكميلية يلجأ اليها القضاء عند عدم وجود قواعد اتفاقية او عرفية يمكن تطبيقها على النزاع المعروض عليه . وهي في حقيقتها معايير تسترقي بهل المحكمة عندما تصدر حكمها بعد ان يثبت لها عدم وجود قاعدة اتفاقية او عرفية يمكن تطبيقها على النزاع المعروض عليها . وفي هذه الحالة يكون حكم المحكمة مؤسسا على مبادئ غير قانونية . فليست المبادئ العامة هي التي تنشأ القاعدة القانونية الدولية وانما هو عمل القاضي الذي يستند الى المبادئ العامة المستخلصة من الانظمة القانونية الداخلية . ولكن هذا التفسير مرفوض لانه يتعاض مع نص المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية , حيث نصت صراحة على ان وضيفة المحكمة ان تفصل في المنازعات التي ترفع اليها وفقا لاحكام القانون الدولي , فالمحكمة لاتنشئ قواعد قانونية دولية , وانما هي تطبقه . ويذهب بعض الفقهاء الاخرين امثال لوفور الى ان الفقرة (ج) من المادة 38 تشير الى قواعد القانون الطبيعي وهذا التفسير هو الاخر لا يتفق مع نص المادة 38 الذي يتكلم صراحة عن المبادئ العامة التي اقرتها الامم المتمدنة ,اي المبادئ التي تطبق فعلا عند هذه الامم , فلا يجب اذا الخلط بين قواعد القانون المثالي وبين القواعد القانونية الوضعية .ويرى فريق آخر من الفقهاء ان الفقرة (ج) من المادة 38 تعني قواعد العدالة .ولا يمكن ايضا قبول هذا التفسير , لانه لايتفق مع نص الفقرة الثانية من المادة 38 الذي يتكلم عن سلطة المحكمة في الحكم وفقا لقواعد العدالة والانصاف وذلك في حالة موافقة اطراف الدعوى صراحة , على تخويل المحكمة هذه السلطة . وفي رأي غالبية الفقهاء السوفيت ان الفقرة (ج) من المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية لا تتحدث عن مصدر معين من مصادر القانون الدولي او وسيلة خاصة لانشاء قواعده . اما الاستاذ شارل روسو فانه يرى , ان مبادئ القانون العامة هي مصدر مستقل للقانون الدولي . وهذا الرأي الاخير هو الرأي الراجح الآن في الفقه والقضاء الدوليين .
مضمون مبادئ القانون العامة :-
لقد اختلف الفقهاء كذلك في تحديد مبادئ القانون العامة , فمنهم من يرى ان المقصود بمبادئ القانون العامة هي المبادئ العامة للقانون الداخلي , وفريق ثاني وخاصة معظم الفقهاء السوفيت يذهبون الى مبادئ القانون العامة لا يمكن ان تكون الا المبادئ العامة للقانون الدولي دون غيرها . اما الفريق الثالث ومنه الاستاذ شارل روسو فانه يرى ان المقصود بمبادئ القانون العامة هي المبادئ المشتركة في النظامين القانونيين الدولي والداخلي اي المبادئ العامة للقانون الدولي والمبادئ العامة للقانون الداخلي , ويرى روسو ان هذا التفسير ضمني لان اصطلاح القانون الواردفي الفقرة (ج) من المادة 38 جاء مطلقا . فمن مبادئ القانون الداخلي التي يمكن ان تسري احكامها على العلاقات الدولية من حسن النية ومبدأ العقد شريعة المتعاقدين وغيرها من المبادئ . اما المبادئ الخاصة بالعلاقات الدولية فمنها مبدأ استمرارية الدول , وتفوق المعاهدات الدولية على القانون الداخلي وقاعدة استنفاذ المراجع القضائية , وتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية وغيرها من المبادئ .
موقف القضاء الدولي من مبادئ القانون العامة :-
من استقراء احكام المحاكم الدولية , يتضح لنا بان مضمون مبادئ القانون العامة يمكن ان يستمد من المبادئ العامة للانظمة القانونية الداخلية او من المبادئ العامة للقانون الدولي .
1. مبادئ القانون الدولي العامة :
من المبادئ العامة للقانون الدولي المطبقة في العلاقات الدولية , نرى ان محكمة العدل الدولية في الحكم الذي اصدرته في قضية الذهب النقدي سنة 1954 اخذت بمبدئ عدم جواز اكراه اية دولة على التحكيم من غير رضاها , ومبدأ حرية المواصلات البحرية , والتزام كل دولة بعدم السماح باستعمال اقليمها لغرض القيام باعمال منافية لحقوق الدول الاخرى .
2. المبادئ العامة للقانون الداخلي :
لقد وجدت مبادئ القانون العامة القوانين الداخلية لمختلف الامم مجالا للتطبيق امام المحاكم الدولية ومن تلك المبادئ مبدأ احترام الحقوق المكتسبة التي جاء ذكرها في قرار محكمة العدل الدولية الدائمة الصادر بتاريخ 25 مايس سنة1926 في قضية المصالح الالمانية في ساليسيا العليا البولونية . ومبدأ عدم جواز ان يكون الشخص قاضيا وخصما في نفس الوقت الوارد ذكره في قضية الموصل , وبعض المبادئ العامة هي الاجراءات القضائية . كمبدأ قبول القرائن الواقعية التي جاء ذكرها في قرار محكمة العدل الدولية الصادرة سنة 1949 في قضية مضيق كورفو بين المانيا وبريطانيا وغيرها . وفي الرأي الافتائي الذي صدر عن محكمة العدل الدولية في 28 مايس سنة 1951 بشأن التحفظات على اتفاقية تحريم ابادة الجنس البشري جاء فيما يأتي ( ان المبادئ التي تقوم عليها الاتفاقية هي مبادئ اقرتها الامم المتمدنة بوصفها ملزمة للدول دون ان يكون هذا الالتزام اتفاقيا ) .
المصادر المساعدة في القانون الدولي العام
بعد ان اشارت المادة 38 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية , الى المعاهدات والعرف ومبادئ القانون العامة قضت بأن هذه المحكمة تستطيع عند عدم توافر المصادر الاصلية المذكورة ان ترجع الى احكام المحاكم ومذاهبه كبار المؤلفين في القانون العام من مختلف الامم وذلك باعبارها وسائل تساعد على تعيين القواعد القانونية . فالمصادر المساعدة في القانون الدولي العام هي اذا احكام القضاء ومذاهب كبار المؤلفين في القانون الدولي العام . وكذلك تستطيع المحكمة الرجوع الى مبادئ العدل والانصاف متى وافقت الاطراف المتنازعة على ذلك وسنستعرض بايجاز هذه المصادر المساعدة .
الفرع الاول : احكام القضاء . تعد احكام القضاء المصدر المساعد الاول للقانون الدولي حيث ان مهمة القاضي تقتضي على تطبيق القانون القائم ولا تتعداها الى خلق قواعد جديدة للقانون الدولي . كما ان حكم المحكمة الدولية لا يلزم الا اطراف النزاع وذلك بالنسبة للنزاع المحكوم فيه فقط . ويدل على ذلك ما ورد في صدد المادة 38 من النظام الاساس من ان مهمة المحكمة هي تطبيق القانون الدولي . وما نصت عليه المادة 59 من النظام الاساس لمحكمة العدل الدولية من ان حكمها ( لا يكون له قوة الالزام الا بالنسبة لمن صدر بينهم وفي خصوص النزاع الذي فصل فيه ) . ومع ان احكام المحاكم الدولية للتعبير كسوابق قضائية يمكن التمسك بها من قبل الدول الاخرى في القضايا المتماثلة اللاحقة . الا انه من الممكن الرجوع اليها للاستدلال على ما هو قائم ومطبق منقواعد القانون الدولي ولتفسير ما غمض منه . من ذلك مثلا , الرأي الافتائي الذي اصدرته محكمة العدل الدولية في 13 تموز عام 1954 في قضية اثر احكام التعويض الصادرة عن المحكمة الدولية للامم المتحدة , فقد اشارت المحكمة في رأيها السالف الذكر الى رأي سابق لها بشأن التعويض عن الاضرار التي تحدث أثناء خدمة الامم المتحدة